«كوتش الجبلاية».. حكاية المدير الفنى من الجنرال إلى فينجادا
شهد منصب المدير الفنى لاتحاد الكرة على مدار ما يقرب من 15 عاما، العديد من التغييرات على المستوى المادى والمعنوى، دون أن تستفيد الكرة المصرية منه شيئاً، وتحول من مشروع عملاق يرعاه الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" فى العديد من بلدان العالم ويدعمه مالياً بشكل سنوى، إلى مجرد مسمى وظيفى فى الجبلاية، وربما "سبوبة" فى بعض الأحيان دون أن تجنى الكرة المصرية أى ثمار طوال الفترة التى شهدت تأسيس الإدارة الفنية، التى دائما ما كانت مجرد حبر على ورق تحت مسمى "كوتش الجبلاية".
وبعد أن تغير الفكر وبدأ البرتغالى نيلو فينجادا مهمته كأول مدير فنى أجنبى لاتحاد الكرة، بات واجباً علينا فتح هذا الملف الشائك وتسليط الضوء عليه، حتى نبرز التاريخ الطويل لهذا المنصب، بداية من الراحل الجنرال محمود الجوهرى الذى استحدث هذا المنصب من أجله حتى المدير الفنى الأجنبى الذى يعول عليه الكثيرون فى ترجمة مهام المنصب من خطط إلى إنجازات على أرض الواقع.
عودة الجنرال وغضب شحاتة
عاد الراحل محمود الجوهرى من الأردن فى منتصف عام 2007، بعد رحلة موفقة للغاية مع منتخب النشاما استمرت 5 سنوات، حاول وقتها الراحل سمير زاهر، رئيس اتحاد الكرة فى ذلك الوقت، تحقيق أكبر استفادة إعلامية من عودة الجوهرى إلى موطنه مرة أخرى، لما له من تاريخ طويل فى الكرة المصرية، ولأن حسن شحاتة، المدير الفنى لمنتخب مصر، كان قد شق طريقه نجو الإنجازات، لم يجد سمير زاهر أمامه سوى الاستعانة بالجوهرى فى منصب المستشار الفنى للجبلاية.
وبعد مزيد من الدراسة والتشاور استقر الأمر داخل مجلس إدارة اتحاد الكرة على تحويل المسمى إلى المدير الفنى لاتحاد الكرة، وهو منصب جديد على الساحة الرياضية فى ذلك الوقت، بهدف إبعاد الجوهرى عن الشئون الخاصة بمجلس إدارة اتحاد الكرة، حتى لا يصطدم أعضاء المجلس به، خاصة وأن معظمهم كانوا لاعبين تحت قيادة الجوهرى مثل أحمد شوبير وأيمن يونس ومجدى عبد الغنى.
وفور الإعلان الرسمى عن تولى الجوهرى منصبه الجديد من خلال مؤتمر صحفى عالمى، مقابل 100 ألف جنيه كراتب شهرى، ظهرت علامات الغضب على حسن شحاتة، المدير الفنى للمنتخب الوطنى، الذى كان يتقاضى فى ذلك التوقيت 50 ألف جنيه، واعتبر أن منصب المدير الفنى للمنتخب لابد أن يكون الأعلى أجراً داخل اتحاد الكرة، إلا أن سمير زاهر احتوى الموقف تماماً وشرح للمعلم هدفه من تواجد الجوهرى كقيمة وقامة داخل اتحاد الكرة بعد تاريخه الطويل مع كرة القدم، وطمأنه تماما بأنه لا توجد أي نوايا للإطاحة به وتكليف الجوهرى بقيادة الفراعنة.
بداية الخلاف
على عكس المتوقع، بدأ الجوهرى عمله من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، فقد كان مخلصاً فى أى عمل يقوم به، وانتهى من وضع الخطط المناسبة، واللوائح المنظمة لمسابقات الناشئين، وفى غضون شهرين تقريباً كان الملف جاهزا تماماً لعرضه على مجلس إدارة اتحاد الكرة، بعنوان كيفية تطوير مسابقات الناشئين من أجل منتخبات المراحل السنية، واقترح الجوهرى وقتها ضرورة عمل دورى الرديف تحت 21 عاما، كما هو مطبق حاليا فى الكثير من الدول المتقدمة كروياً والذى يعد بمثابة الحضانة التى تنتج لاعبين مميزين للفريق الأول.
لكن مخططات الجوهرى لم تكن على هوى مجلس إدارة اتحاد الكرة، ورفضوا بالإجماع ما طالب به الجوهرى، لدرجة أغضبته كثيراً، وامتنع عن الحضور لمقر الجبلاية عدة أيام حتى قام سمير زاهر بزيارته، وحاول زاهر جاهدا، التقريب بين وجهات النظر، لكن فى النهاية كان القرار النهائى للجوهرى هو الرحيل والعودة للأردن مرة أخرى لتطبيق ما خطط له فى بلده الثانى.
تحويل المنصب إلى وظيفة
بعد رحيل الجوهرى، لم يجد سمير أمامه سوى صديقه الهادئ البعيد عن الخلافات والمشاكل، الراحل محمد الساجى، لتولى المهمة خلفاً للجوهرى، ليتحول المنصب الرفيع إلى مجرد وظيفة ورقية، دون إلغائها، وتم منح الساجى وقتها راتبا قيمته 45 ألف جنيه حتى لا يتساوى مع راتب حسن شحاتة، المدير الفنى للمنتخب فى ذلك الوقت، ووجد زاهر ضالته فى محمد السياجى الذى أصبح البديل المناسب للجنرال.
تعلم السياجى الدرس جيداً ولم يسر على خطى الجوهرى سوى فى أمر واحد فقط، هو الابتعاد عن المنتخب الأول، واكتفى بمجرد الاستشارات الفنية دون محاولة إثارة أى مشكلة، وكان أبرز إنجازاته، التعاقد مع التشيكى ميروسلاف سكوب، المدير الفني لمنتخب الشباب في المونديال الذي استضافته مصر عام 2009 وظل السياجى فى منصبه حتى وفاته متأثرا بوعكة صحية.
مشروع الفيفا
بعد وفاة السياجى كانت النية منعقدة لدى مجلس سمير زاهر، نحو إلغاء المنصب، لكن مشروع الفيفا الجديد بحلول عام 2009، كان سبباً قوياً فى استمرار منصب المدير الفنى للجبلاية، خاصة بعدما تمكن هانى أبوريدة، عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة وعضو المكتب التنفيذى للفيفا من وضع مصر ضمن الدول التى تستفيد من مشروع الفيفا الذى يقضى بحصول الاتحاد على نصف مليون دولار سنويا للصرف على بعض الأنشطة الإضافية مثل الكرة النسائية والشاطئية وكرة الصالات والإدارة الفنية داخل الاتحاد، وكان من ضمن الشروط للحصول على هذا الدعم سنوياً هو وجود إدارة فنية فعلية.
وهو ما دفع رجال سمير زاهر للتفكير فى فتحى نصير نجم الأهلى السابق، الذى كان يتولي منصب المدير الفنى للإتحاد الإماراتى لكرة القدم، مما جعل كفته ترجح على بعض المرشحين الآخرين، وفتح نصير ملف الرخص التدريبية للمدربين المصريين وقتها، وسار كل من أتى لهذا المنصب على نفس النهج، حتى أصبحت رخص المدربين هى الملف الأهم من وجهة نظر كل مدير فنى، لكن بمرور الوقت، اصطدم فتحى نصير بأعضاء الجبلاية، وفشل سمير زاهر فى الاحتفاظ به، بعدما لجأ للتصويت على بقائه أو رحيله حيث صوتت الأغلبية داخل المجلس برحيله.
"سبوبة" الرخص التدريبية
مع بداية تولي فاروق جعفر، نجم الزمالك الأسبق، منصب المدير الفني لاتحاد الكرة، فى عهد جمال علام، رئيس الجبلاية الأسبق، ظهرت سبوبة الرخص التدريبية، حيث ركز فاروق جعفر على الدورات التدريبية للمدربين الشباب بحجة شروط الكاف، وتم تصنيف الرخص "a-b-c" وتحول الأمر إلى ما يشبه محاولة تحقيق أرباح بعيدة عن الرواتب الشهرية، واعتبار أن الأمر هو مجرد وسيلة لكسب الأمور وليست رسالة داخل اتحاد الكرة، من خلال المحاضراات اليومية التى يلقيها المدير الفنى بحكم منصبه ويحصل على مقابل مادى بخلاف راتبه الشهرى.
لم يستمر جعفر طويلا، حيث دخل فى أزمات مع أعضاء المجلس انتهت بإقالته وتصريحات متبادلة بينه وبين أعضاء الجبلاية بداعى عدم تقديم الأدوار المخصصة له، وتمت الاستعانة بالدكتور محمود سعد، نجم الزمالك الأسبق، الذى بات أكثر المعمرين فى هذا المنصب، واعتبره رجال الجبلاية أنه الأنسب لهذا المنصب بحكم الدراسة والعمل، فضلا عن عمله سنوات طويلة كمدير لقطاع الناشئين داخل نادى الزمالك ومن ثم فإن لديه الكثير من الخبرات التى يقدمها للكرة المصرية.
أزمة سعد
واصل محمود سعد العمل على ملف الرخص التدريبية للمدربين المصريين واكتشاف المواهب وتقنين الأكاديميات وغيرها من المهام، واستغل تواجد اللجنة الخماسية برئاسة عمرو الجناينى فى رفع راتبه الشهرى من 45 ألف جنيه إلى 75 ألف جنيه فى غضون أشهر قليلة، لكن الراتب الشهرى لا يقارن بحجم ما كان يحصل عليه سعد خلال فترات إقامة الدورات التدريبية، حيث كان يلقى محاضرتين أو ثلاث فى اليوم الواحد مقابل 2000 جنيه كبدل للمحاضرة الواحدة.
وهو ما اعتبره أعضاء اللجنة الثلاثية إهدارا للمال العام، وتم توجيه الشكر له قبل عدة أشهر، بعد مرحلة من الشد والجذب، والتصريحات المتبادلة بين محمود سعد وأعضاء اللجنة الثلاثية التى تدير اتحاد الكرة، برئاسة أحمد مجاهد، والتى اعتبرت أن محمود سعد ترك المهام الرئيسية لمنصبة وتفرغ لرخص المدربين والدورات التدريبية التى كان ينظمهما فى العديد من المحافظات، حتى تم توجيه الشكر له.
ظهور فينجادا
حاول أحمد مجاهد، رئيس اللجنة الثلاثية التى تدير اتحاد الكرة، غلق ملف المسئولين المصريين فى هذا المنصب والاعتماد على مدير فنى أجنبى تكون لديه دراية كاملة بطبيعة الكرة المصرية والأندية واللاعبين المصريين، بصرف النظر عن الفارق الكبير فى الراتب الشهرى، لكن الهدف هو تفعيل المهام الحقيقة لهذا المنصب، والتى تتمثل فى التخطيط الجيد لمسابقات الناشئين وكيفية عمل استراتيجية خاصة لمنتخبات المراحل السنية تعيد منتخبات الناشئين والشباب لتصدر المشهد الإفريقى من جديد.
وتم الاتفاق مع البرتغالى نيلو فينجادا، المدير الفنى الأسبق لنادى الزمالك، على تولى مهمة المدير الفنى للجبلاية، مقابل الحصول على 65 ألف دولار أى مليون جنيه مصري، تم الاتفاق بين اتحاد الكرة وفينجادا على إنشاء منتخب الأمل، مع مراجعة مواعيد ونظام كل البطولات المحلية، ومسابقات الناشئين، وسيمنح فينجادا شهادات المدربين والرخص اللازمة لهم، بعقد دورات تدريبية مكثفة.