الأهلى وكايزر تشيفز.. فى فن قراءة الخصم «تحليل»
المدرب الناجح هو من يدرس خصومه قبل فريقه؛ يعرف مواطن قوته وضعفه؛ قبل أن ينظر
على فريقه ولاعبيه، هكذا نجح بيتسو موسيماني، المدير الفني للنادي الأهلي، في
قيادة فريقه لتحقيق 4 ألقاب وميدالية برونزية لمونديال الأندية في 291 يومًا له
على رأس القيادة الفنية للفريق.
وسحق النادي الأهلي، فريق كايزر تشيفز الجنوب إفريقي، في المباراة النهائية لبطولة
دوري أبطال إفريقيا؛ بثلاثة أهداف دون رد.
ويحلل «الكابتن» كيف استطاع موسيماني الفوز بلقب دوري الأبطال، وإيقاف عناصر خطورة
كايزر تشيفز؟
حمدي فتحي والاختيار الصعب
راهن بيتسو موسيماني، المدير الفني للأهلي، على اختيار حمدي فتحي في وسط الملعب
بجوار عمرو السولية، رغم كل التكهنات التي دارت حول أهمية وجود أليو ديانج نظرًا
لقوته البدنية، وقوته في التدخلات على الخصم.
ولكن موسيماني فضل الدفع بحمدي، للاعتماد على إمكانياته الدفاعية، ومرونته
التكتيكية في التنقل بين مركزي وسط الملعب المدافع، وقلب الدفاع؛ لمنح الفريق
أفضلية هجومية ودفاعية في نفس الوقت، نعم كلاهما معًا.
تنقل فتحي بين المركزين أمر اعتدناه مع بيتسو موسيماني؛ في حالة الدفاع يؤدي
أدواره في عملية الضغط واسترجاع الكرة، ثم بعد استرجاع الكرة يدخل بين قلبي
الدفاع، ويؤمن انطلاق الظهيرين.
ولكن في مباراة الليلة لم تقتصر أدوار حمدي فتحي على عملية التنقل والدفاع فقط؛ بل
في بعض فترات المباراة انطلق بوسط الملعب، ليمنح زملائه الزيادة العددية الهجومية،
ويؤمن دخول عمرو السولية للمساحة بين وسط ملعب كايزر تشيفز ودفاعه.
الصورة التالية تظهر انطلاق حمدي فتحي في وسط الملعب لتأمين استعادة الفريق للكرة،
وسد الفراغ الذي يخلفه انطلاق عمرو السولية، ثم عودته لتقديم الدعم الدفاعي،
ومراقبة سمير نوركوفيتش، مهاجم كايزر تشيفز، ليحرر أيمن أشرف في الانطلاق ناحية
اللاعب القادم من الجناح الأيمن للخصم، ويمنح الفريق أفضلية عددية دفاعية بعودة
أكرم توفيق لمواجهة جناح كايزر تشيفز، ووجود بدر بانون في طريق الكرة، وحمدي مع
نوركوفيتش، وأيمن مع الجناح القادم من الجانب الآخر.
كما تظهر اللقطة التالية في الشوط الأول وجود حمدي فتحي على الجانب الأيسر من
ثلاثية دفاع الأهلي، لإغلاق المساحة خلف علي معلول المنطلق في الهجمة، في ظل وجود
عمرو السولية في مساحة وسط الملعب.
أما في تلك الكرة، والتي مهد السولية الكرة لأفشة للتسديدة على حدود منطقة الجزاء،
يظهر حمدي فتحي خلف السولية من أجل إغلاق المساحة الموجودة خلف السولية وأمام
دفاعه، خاصة لقوة كايزر تشيفز في الهجمات المرتدة؛ والتي لم تظهر في مباراة اليوم
نظرًا لقراءة موسيماني للمباراة.
لماذا أصر موسيماني على التدرب في مساحات ضيقة؟
"لا تفقد الكرة، ودعها هي من تجري فهي لاتتعب أبدا"، هكذا توصف عملية الروندو في
تدريبات كرة القدم، وهي ببساطة أن يقف أحد اللاعبين داخل دائرة من زملائه والهدف
الوصول لأكثر من 30 تمريرة سليمة دون خطأ؛ ومن يخطيء في التمرير يدخل في قلب
الدائرة بدلًا من اللاعب الذي قطع الكرة.
الروندو، أو التدرب في مساحات ضيقة؛ هي إحدى طرق تدريب اللاعبين على تمرير الكرة
بسرعة؛ واقتناء المكان الأمثل للتمرير داخل مساحة ضيقة دون تعريض الزميل الممرر له
الكرة لضغط الخصم.
ربما لم يطبق موسيماني الروندو كما تعرف؛ ولكن قبل المباراة، اقتطع موسي، كما يطلق
عليه لاعبو الأهلي، جزءًا من تدريب الفريق للتمرير في مساحات ضيقة، وكيفية اختيار
المكان الأفضل للتمرير دون
تعرض الفريق للضغط من الخصم.
وهو ماظهر على تمريرات لاعبي الأهلي في مباراة اليوم، إذ مرر لاعبو الأحمر 705
تمريرة في مباراة اليوم؛ منها 644 تمريرة صحيحة بنسبة 91% نجاح، مقابل 290 تمريرة
للخصم منها 232 ناجحة.
من فوائد التدرب على التمريرات الكثيرة في مساحات ضيقة، زيادة قدرة الفريق على
الاحتفاظ بالكرة والاستحواذ عليها لاستهلاك قوى الخصم، وكذلك تطوير رؤية اللاعبين
لزملائهم في الملعب، واتخاذ القرار المناسب في كل مرة تصل الكرة لأقدامهم، وتقليل
نسبة الأخطاء في التمريرات.
ونجح الأهلي في السيطرة على الكرة بنسبة 70%، أمام كايزر تشيفز، وأظهر الشوط
الثاني الذي قدمه الأهلي، تحفيظ موسيماني للاعبين كيفية التمركز الصحيح وتسلم
التمريرات في أي مساحة بالملعب دون التعرض للضغط من الخصم.
بيتسو موسيماني.. في فن قراءة الخصوم
امتاز بيتسو موسيماني، في قراءة الخصوم منذ ظهوره على الساحة في 2016، بالفوز بلقب
دوري أبطال إفريقيا على حساب الزمالك، أو حتى في خماسية صن داونز ضد الأهلي، بعام
2019.
وفي مباراة الليلة أدرك موسيماني جيدًا، عيوب كايزر تشيفز في عملية التنظيم
الدفاعي، والمساحات الموجودة دائمًا بين وسط الملعب والدفاع، والتي ظهرت تعليماته
واضحة خلال المباراة لعمرو السولية بالدخول في تلك المساحة من أجل الحصول على
الكرة مرة أخرى في حالة رجوعها من دفاع الخصم، وكذلك في عملية تبادل المراكز بين
لاعبي هجوم الأهلي خلال المباراة.
الهدف الأول للأهلي، كان تجليًا واضحًا لقراءة موسيماني لأزمة كايزر تشيفز في
المساحة بين قلب الدفاع والظهير؛ وهي المساحة التي لعب فيها أكرم توفيق الكرة
لمحمد شريف لينفرد بالحارس، رغم وجود 3 من مدافعي تشيفز في منطقة الجزاء.
كما تظهر متابعة لقطة الهدف الأول للأهلي، قراءة أخرى لموسيماني في أزمة كايزر
تشيفز في المساحة بين وسط الملعب والدفاع، ففي أثناء تواجد شريف داخل المنطقة
واقترابه من التسجيل، يظهر خلفه محمد مجدي قفشة، وحسين الشحات، وطاهر محمد طاهر
دون مراقبة أمام منطقة الجزاء، بجانب وجود علي معلول على الجانب الآخر من الملعب.
كما تظهر إحدى هجمات الأهلي في الشوط الثاني، قراءة موسيماني الجيدة لكايزر تشيفز،
إذ إنه أثناء إرسال أكرم توفيق كرة عرضية من الجانب الأيمن للملعب، يتواجد الجناح
الأيمن، حسين الشحات، ونظيره الأيسر طاهر محمد طاهر، وبينهم محمد شريف، داخل منطقة
الجزاء.
ولكن دعك من هؤلاء فشريف هو قلب الهجوم، وحسين يسحب الظهير معه لتسهيل مهمة أكرم، وطاهر يدخل لسحب الظهير الأيمن لمراقبته، هنا تظهر مساحة خلف الظهير الأيمن ليتواجد بها قفشة، منتظرًا العرضية على القائم البعيد؛ وكذلك علي معلول يقف على حدود المنطقة دون مراقبة منتظرًا عودة الكرة له، فضلًا عن عمرو السولية القادم من وسط الملعب على حدود منطقة الجزاء، دون مراقبة.
كما تظهر هجمة أخرى للنادي الأهلي استغلال سوء التغطية الدفاعية لكايزر تشيفز، في
انطلاقة محمد شريف خلف قلب الدفاع، بعد تمريرة طولية من بدر بانون، والتي كادت أن
تشكل خطرًا على المرمى لولا تدخل الحارس.
كما اختار موسيماني اللعب بطريقة الشطرنج، عن طريق إلهاء الخصم بالتركيز على جانب
معين، وضربه من الجانب العكسي.
فرغم الزيادة العددية لكايزر تشيفز في اللقطة التالية، إلا أن وجود طاهر محمد
طاهر، في المساحة خلف ظهير كايزر تشيفز الأيمن، دون أي مراقبة في ظل انشغال جميع
لاعبي الخصم بمراقبة محمد شريف وحسين الشحات وضعه في وضع مميز لخلق الخطورة على
المرمى.
وكذلك الهدف الثاني للأهلي، يظهر جيدًا رؤية موسيماني للمباراة، وقراءته لنقاط ضعف
كايزر تشيفز، فهنا يظهر مجدي قفشة حاملًا الكرة وبجواره شريف على الجانب الأيمن
وطاهر على الجانب الأيسر، في موقف زيادة عددية دون وجود أي دعم من وسط ملعب كايزر
تشيفز.
كايزر تشيفز لم يكن الخصم القوي الند للأهلي، ولكن فكر موسيماني، وقراءته المميزة
للمباراة؛ ودراسة جهازه الفني ومعاونيه لجميع نقاط ضعف وقوته، قادوا الأحمر للتتويج
باللقب العاشرة في تاريخهم.