أمير الكوكب.. ميسى يتوج مسيرة ساحرة بأغلى مونديال فى التاريخ
أصابه اكتئاب حاد بسبب ما يقولون عنه، واتهامه الدائم بالتخاذل مع منتخب بلاده، حتى سأله طفله الصغير بعفوية وبراءة: «أبى لماذا يكرهونك فى الأرجنتين بينما يحبونك فى كل مكان؟».
كان فى قمة عطائه الكروى مع برشلونة، يفوز بكل الأشياء، لم يترك لقبًا إلا وحققه، رقمًا إلا وكسره، جائزة فردية إلا واحتكرها، ورغم كل ذلك زاره الحزن كثيرًا وسيطر عليه لسنوات، وظل حائرًا تائهًا بفعل ما يجرى معه فى بلاده.
فى مونديال 2014 فعل ليونيل ميسى كل شىء فى كرة القدم، وكان أفضل لاعب فى البطولة، لكن زميله المهاجم هيجواين أضاع كرة التتويج، قبل أن يهبط جوتزه الألمانى بكرة شبه مستحيلة، ليسرق بها اللقب ويختفى بعدها دون تقديم أى شىء، وكأنه «جِن» حضر ليحرم «ميسى» حقه فحسب.
وفى نسخة 2022 هذه كان كل شىء يسير على ما يرام، الأرجنتين متقدم بهدفين، مباراة من طرف واحد اختفى فيها فرنسا، حتى الدقيقة 80 لحظة تسجيل كيليان مبابى الهدف الأول.
كانت بداية السقوط فى التبديلة الأسوأ فى تاريخ المونديال، حين خرج دى ماريا، أفضل لاعب فى المباراة وقت خروجه، ودخل أكونيا الذى كان ضمن أسوأ عنصرين أو ثلاثة فى الأرجنتين طوال مشوار البطولة، إن لم يكن أسوأهم على الإطلاق.
حينما سجل «مبابى» الهدف الثانى، كانت تصويبته مثل طعنة سكنت قلوب قرابة 90 ألف مشجع أرجنتينى زحفوا إلى لوسيل منذ الصباح كى يعيشوا أجمل لحظات.
صدمة أصابت الجميع، صمت رهيب يخيم على الملعب، ارتفع صوت القلة الفرنسية وقفز «ماكرون» محتفلًا بنجمه كيليان مبابى، ثم عبرنا للوقت الإضافى.
حينما جلست أفكر كيف يمكن تدارك الأمر ببعض التغييرات أصبت برعب، نظرًا لدكة فرنسا مقابل دكة الأرجنتين، ولما دخل مونتيل بدلًا من مولينا الذى نفد مردوده، قلت: «اكتملت»، أكونيا يهاجم فى اليسار ومونتيل باليمين، فإذا استثنيت «ميسى» أصبحت أمام خط هجوم لا يصلح للعب فى كأس ملك إسبانيا.
تذكرت حينها المقولة الشهيرة لمشجع إيطالى كتبها على جدران الفاتيكان: «سيغفر الرب للجميع إلا باجيو»، ووجدتنى أقول بداخلى حتى «باجيو» مغفرة موقفه أسهل كثيرًا من موقف ليونيل سكالونى، كيف نسامحه على تغييرة دى ماريا التى ستهدر كأس العالم؟
رغم كل الصعوبات عاد ميسى يركض، يقاتل، نجح فى خلق المساحات، وبفضل مراوغاته واختراقاته منح لوتارو أهدافًا مؤكدة، لكن الأخير أعاد للذاكرة ذكرى «هيجواين» السيئة.
وقبل النهاية بقليل، وجد «ميسى» نفسه يسجل هدف النصر واحتفل الأرجنتينيون مطمئنين تمامًا بأنها النهاية، قبل أن يمنح «مونتيل» النجم كيليان مبابى ركلة جزاء مجانية تعادل بها، ثم عادت الأقدار تنصف الطرف الأحق والأجدر، وتتجلى واحدة من أفضل وأعظم لحظات العدالة على الأرض، ليتوج «ميسى» أخيرًا ومعه الأرجنتين بكأس العالم.
سقط كليان مبابى أرضًا، فما جرى له هو التوصيف الحقيقى والدقيق لمفهوم ومعنى «الضربة القاضية»، ففى لحظة كان أهم رجل على سطح الأرض، قهر حلم «ميسى» وخطف فرصته الأخيرة، هداف كأس العالم، أفضل لاعب فى المونديال، صاحب الكرة الذهبية القادمة، ثم فى لحظة أخرى خسر كل شىء، ووجد نفسه مضطرًا تحت أقدام «التانجو» راقدًا يلحظ احتفالاته بعيون دامعة ونفس مكسورة.
بالقرب من علامة الركنية جلس لاعبو فرنسا على الخط فى انتظار تسلم الميدالية الفضية، ورغم كل علامات الحسرة والحزن والألم على ضياع فرصة التتويج بالمونديال، حرصوا على النظر لاحتفالات ميسى باهتمام وعناية شديدة، وكأن شيئًا بداخلهم سعيد له.
لقد رأيت «جريزمان» واقفًا، يد تحاوط وسطه وأخرى على خده، متسمًا بمزيج من الحزن، وبعض من التعاطف مع «ميسى»، كانت عيناه تراقبانه وتشاهدان كيف يحتفلون به.
حُمل «ميسى» على الأعناق أخيرًا، ورقص الأرجنتينيون فى مدرج الدوحة داخل تحفة «لوسيل»، التى سيغنون لها مستقبلًا أجمل الألحان والنغمات، مثلما ظلوا يغنون عن مونديال المكسيك الذى فات عليه 36 عامًا، وزاد المشهد جمالًا الزى القطرى الذى زيّن «ميسى» وأظهره فى ثوب مختلف وطريقة مبتكرة، وكأنه أمير الكوكب وملك اللعبة، وهو يرفع كأس العالم 2022.
ذهب «ليو» وحمل طفله «تياجو»، وكأنه يحدثه ويذكره بسؤاله القديم عن سر كراهية الأرجنتينيين له، ويقول له: «الآن لا أحد يكرهنى فى بوينس آيرس، الآن والدك ملك البلاد، أفضل من مارادونا وبيليه».
كان «ميسى» يعيش أفضل لحظاته رفقة عائلته، ولطالما قال دائمًا وأبدًا إنها الأولوية عنده، وفوق كل شىء، ووراء أى جهد، ومن أجلها يسعى لكل نجاح وانتصار.
ربما حرم «ميسى» من كأس العالم سابقًا، ربما كان على بعد خطوة واحدة فى 2014، لكننى أؤمن تمامًا بأنه ما كاد يجد هذه السعادة والنشوة والفرحة التى وجدها مع «تياجو» و«ماثيو»، ولديه، بعدما كبرا وفهما ماهية كرة القدم، ومعنى أن يختتم كل هذا المجد بالقطعة الأهم والانتصار الأعظم.
لقد قالها فى بداية البطولة: «أصبح أبنائى كبارًا، باتوا يفهمون معنى كأس العالم، وتفاصيل المنافسة، أصبحوا يفكرون ويفهمون كل شىء»، ولأنه يستحق كل شىء نال التتويج فى اللحظة الأمثل، لتكون فرحته مضاعفة رفقة العائلة.