بيليه.. أسطورة بدأت بمشهد بكاء الأب وغيرت ملامح كرة القدم
ودع عالم كرة القدم الأسطورة البرازيلي بيليه الذي فارق الحياة اليوم الخميس عن عمر يناهز 82 عامًا بعد صراع طويل مع مرض السرطان، لتفقد كرة القدم واحدًا من أبرز رموزها وأسطورة بدأت برؤية طفل لمشهد بكاء الأب في عام 1950.
"لا تبكي يا أبي. سأفوز بكأس العالم في يوم ما من أجلك"... تلك هي الكلمات التي وجهها بيليه عندما كان طفلًا في العاشرة من عمره في عام 1950 عندما رأى والده يبكي إثر تلقيه صدمة "الماراكانازو" (كارثة الماراكانا).
فقد سادت حالة من الحزن في البرازيل إثر ضياع حلم لقب المونديال بهزيمة البرازيل أمام أوروجواي 1 / 2 على ملعب استاد الماراكانا بمدينة ريو دي جانيرو.
وعندما رأى بيليه والده يبكي، عانقه ووعده بالفوز بكأس العالم في يوم ما، وهو الوعد الذي أوفى به وبأكثر منه، حيث إنه لم يتوج بالكأس مرة واحدة وإنما ثلاث مرات منفردًا بهذا الرقم حتى الآن.
وحقق بيليه وعده بشكل أسرع مما كان يمكن تصوره، حيث قاد البرازيل للتتويج بلقب كأس العالم 1958 في السويد وهو لا يزال في السابعة عشرة من عمره.
ورغم أن بيليه كان قد أصبح في ذلك الوقت لاعبًا معروفًا ويحظى بإعجاب هائل في البرازيل، كاد أن يغيب عن تلك النسخة من المونديال، حيث أصيب خلال مباراة تحضيرية أمام فريق كورينثيانز البرازيلي وطلب من فيسنتي فيولا المدير الفني للمنتخب حينذاك عدم استدعائه لمونديال السويد.
وكان بيليه قد صرح بشأن ذلك الموقف قائلًا:"رأيت حينها أنني قد أحل مكان لاعب آخر من الممكن أن يكون أكثر فائدة للمنتخب. لكن الطبيب هيلتون جوسلينج (طبيب المنتخب) والمدير الفني فيولا و(المعد البدني) ماريو أميريكو تمسكوا بأمل أن أتعافى".
وإلى جانب أعضاء الجهاز الفني للمنتخب، حظي بيليه بدعم لاعبين مخضرمين في المنتخب حينذاك أمثال نيلتون سانتوس وديدي.
وقال بيليه: "ديدي كان مثل الشقيق الأكبر بالنسبة لي. أدين له بالكثير".
وبسبب الإصابة، بدأ بيليه مشواره في مونديال السويد على مقاعد البدلاء، وكان في ذلك حاله كحال اللاعبين ذوي البشرة السمراء بالمنتخب البرازيلي ومن بينهم جارينشا.
فبعد الإخفاق في نسختي 1950 و1954 من كأس العالم، جرى تعميم تقرير صادر عن الاتحاد الرياضي البرازيلي السابق (سي.بي.دي) يوصي بعدم الدفع بلاعبين من ذوي البشرة السمراء ضمن قائمة المنتخب في مونديال السويد.
وادعى الخبراء الذين استشارهم الاتحاد حينذاك، أن السبب في تلك التوصية هو أن اللاعبين الذين بشرتهم سمراء يفتقدون القدرة على ضبط النفس عند التعرض للضغوط، كما أنهم لن يتكيفوا بشكل جيد مع الطقس البارد في أوروبا.
وتضمنت التشكيلة التي فازت على النمسا 3 / صفر في المباراة الأولى بالمونديال لاعبين اثنين فقط من ذوي البشرة السمراء.
لكن عدة تغييرات جاءت بعد التعادل السلبي للبرازيل أمام إنجلترا في المباراة الثانية، حيث شكل التعادل جرس إنذار للمنتخب ومدربه فيولا.
ففي المباراة الثالثة أمام الاتحاد السوفيتي في 15 يونيو 1958، دفع فيولا في التشكيل الأساسي بجارينشا وزيتو بدلا من دينو وجويل، كما أشرك اللاعب الشاب بيليه بدلا من مازولا وقد صنع الهدف الثاني لفافا وانتهت المباراة بفوز البرازيل 2 / صفر، وقد كانت تلك هي بداية الانطلاقة الحقيقية للبرازيل نحو منصة التتويج بالمونديال.
وبعدها بأربعة أيام، سجل بيليه هدفه الأول في كأس العالم ليقود البرازيل للفوز على ويلز 1/صفر والتأهل إلى المربع الذهبي.
وكشف بيليه عن أن المنتخب البرازيلي لم يكن من المرشحين البارزين للتتويج بلقب تلك النسخة، وإنما كان المنتخب الفرنسي مرشحا للتتويج بقيادة جوست فونتين الذي سجل 13 هدفًا خلال تلك النسخة.
وما عزز من ترشيح المنتخب الفرنسي حينذاك هو الاعتقاد السائد بأن بطل المونديال يفترض أن يكون منتخبًا أوروبيًا عندما تقام البطولة في قارة أوروبا، نظرًا لأن المنتخبات الأوروبية تكون أكثر تكيفًا مع الأجواء.
وقال بيليه: "المرشحون الأبرز كانوا أوروبيين بالطبع، لكن ذلك المنتخب البرازيلي جمع بين مجموعة من أبرز اللاعبين على الإطلاق: جيلمار وجالما سانتوس وأورلاندو وبيليني ونيلتون سانتوس وزيتو وديدي وجارينشا وفافا وزاجالو وكذلك أنا".
وأضاف بيليه إلى أن الأمور كانت مختلفة في ذلك الوقت، حيث لم يكن بإمكان المدربين وضع خطط لكل مباراة حسب أساليب لعب الفريق المنافس.
والتقى المنتخب البرازيلي نظيره الفرنسي في الدور قبل النهائي في 24 يونيو 1958 وسجل فافا وديدي هدفين للبرازيل ثم أضاف بيليه ثلاثية (هاتريك) لتنتهي المباراة بالفوز على فرنسا 5/2 والتأهل للقاء السويد في النهائي.
وأوضح بيليه أنه عند وصول المنتخب البرازيلي إلى استوكهولم لخوض النهائي أمام المنتخب السويدي، لم يكن لدى لاعبي البرازيل والمدرب فيولا أي فكرة عن نقاط قوة ونقاط ضعف المنافس.
وواصل المنتخب البرازيلي توهجه ليهزم السويد 5/2 ويتوج باللقب، إثر تألق كل من فافا وبيليه، حيث سجل كل منهما ثنائية، كما سجل زاجالو الهدف الآخر للفريق.
وكان بيليه قد أصبح عبر نسخة 1958 أصغر لاعب يشارك في المونديال، كما أصبح، عبر مباراة المربع الذهبي، أصغر لاعب يسجل ثلاثية في تاريخ البطولة، كما أصبح أصغر لاعب يشارك في نهائي المونديال، وذلك عندما كان عمره 17 عامًا و249 يومًا.
واستمر توهج بيليه في نسخة 1962 من المونديال، التي أقيمت في تشيلي، حيث كان قد أصبح أفضل لاعب في العالم بالفعل قبل بداية البطولة، وحقق انطلاقة قوية بصناعة هدف وتسجيل آخر في المباراة الأولى التي انتهت بفوز البرازيل على المكسيك 2/صفر.
وفي المباراة التالية أمام تشيكوسلوفاكيا، تعرض بيليه للإصابة، وانتهت بالتعادل السلبي، ثم غاب عن باقي مشوار المنتخب البرازيلي في البطولة وقد اختتمت بالفوز في المباراة النهائية على تشيكوسلوفاكيا 3 / 1.
وفي نسخة 1966، أصبح بيليه أول لاعب يسجل في ثلاث نسخ من المونديال ثم تعرض للإصابة، لكن الصدمة الهائلة تمثلت في خروج البرازيل من دور المجموعات ليصرح بيليه بأنه لا يريد المشاركة في كأس العالم مجددًا.
لكن الأسطورة تراجع عن قراره ليقود المنتخب البرازيلي في مونديال 1970، حيث جرى استدعاؤه للمنتخب في أوائل عام 1969 ورفض في البداية لكنه وافق الانضمام للقائمة بعدها وخاض ست مباريات بالتصفيات.
وشهدت تشكيلة البرازيل في نسخة 1970 العديد من التغييرات مقارنة بها في نسخة 1966 نظرًا لاعتزال عدة نجوم بارزين، لكن الفريق أصبح مدججًا بمجموعة أخرى من النجوم ومن بينهم بيليه الذي لعب دورًا بارزًا في الوصول للنهائي.
وفي المباراة النهائية أمام إيطاليا، افتتح بيليه التسجيل للمنتخب البرازيلي الذي أنهى المواجهة فائزًا بنتيجة 4/1 ليحتفظ بكأس العالم باعتباره فاز باللقب ثلاث مرات وحصل بيليه على الكرة الذهبية كأفضل لاعب في البطولة، حيث لعب دورًا، بتسجيل أو صناعة 53% من أهداف البرازيل طوال البطولة.